
كأن لعنة الاحتكار لا تريد أن تفارق جسد هذه الأمة. فجأة، ودون سابق إنذار، يعود اسم أحمد عز – تاجر الحديد الأشهر في تاريخ الفساد الاقتصادي – إلى الساحة من جديد، وكأن عقارب الساعة قد عادت إلى الوراء. السؤال الذي يفرض نفسه: هل كتب علينا أن نعيش من جديد تحت رحمة “إمبراطورية الحديد”؟ هل يُعقل أن ننسى ما فعلته سنوات الاحتكار من استنزاف لجيوب المواطنين، وتدمير للصناعة الوطنية، وإشعال أسعار العقارات والبناء؟
العودة ليست مجرد “رجل أعمال” يستعيد نشاطه، بل هي عودة لمنظومة فساد متكاملة، ارتبطت بعهد كامل كان فيه السوق رهينة حفنة من المحتكرين. الحديد وقتها لم يكن مجرد سلعة، بل كان أداة إذلال جماعية: سعر يعلو كيفما شاء، احتكار يُحكم قبضته على السوق، ومواطن مغلوب على أمره لا يجد سوى الانحناء أمام مافيا الحديد.
إن أخطر ما في المشهد اليوم، أن عودة عز قد تحمل معها إعادة إنتاج نفس “الكارثة الاقتصادية” التي كلفت المصريين دماءهم وأعصابهم لسنوات طويلة. فهل نتصور أن الأسعار التي حاولت الدولة ضبطها بشق الأنفس ستظل مستقرة في وجود عقلية ترى السوق مجرد “مزرعة خاصة”؟ وهل يمكن أن نطمئن على مستقبل صناعة البناء والتشييد في ظل احتمالات عودة الاحتكار بصورته القبيحة؟
ما يحدث اليوم ليس مجرد “عودة رجل”، بل هو استدعاء لذاكرة مرة: ذاكرة الفواتير الملتهبة، والأرباح الفاحشة، والمشروعات الصغيرة التي سقطت أمام غول الاحتكار. الأخطر أن هذه العودة تأتي في لحظة حرجة يعيش فيها المواطن المصري على حافة الانهيار الاقتصادي، مع تضخم ينهش اللحم الحي، وارتفاع جنوني في تكاليف المعيشة.
–عودة عز ليست شأناً اقتصادياً فحسب، بل هي رسالة سياسية سامة: أن الفساد قادر على العودة متى شاء، وأن الاحتكار يمكن أن يطل برأسه من جديد ليبتلع السوق، ويخنق المنافسة، ويقهر المواطن.
— فهل سنقف صامتين حتى تتكرر المأساة؟