
في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيرات التكنولوجية، وتتداخل فيه الحقائق مع المعلومات المضللة، تصبح الحاجة إلى بوصلة إرشادية أكثر إلحاحا.
من هذا المنطلق، جاءت توصيات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي عقدته دار الإفتاء المصرية مؤخرا في القاهرة تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»، لتكون بمثابة وثيقة استراتيجية ترسم خارطة طريق واضحة لمستقبل الفتوى، وتحدد بوعي عميق العلاقة بين ثابت الوحي ومتغيرات العصر.
خرج المؤتمر بتوصيات جوهرية لم تكتف بتأكيد أهمية التكنولوجيا، بل وضعت لها حدودا ومعايير، لتضمن أن الفتوى ستظل حكمة إنسانية قبل أن تكون حكما آليا.
فمن أبرز ما أكدت عليه التوصيات، هو أن المفتي البشري لا يمكن أن يستبدل بالآلة. هذا التأكيد ليس رفضاً للتقنية، بل هو فهم عميق لجودة الفتوى وروحها. فالفتوى ليست مجرد استخراج نص من قاعدة بيانات، بل هي عملية معقدة تتطلب فهما لحال السائل، وسياق سؤاله، وظروفه النفسية والاجتماعية. إنها تتطلب بصيرة نافذة وحكمة لا يمكن للذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من تطور، أن يمتلكها.
إن خشية الله والحكمة في المقصد هي صفات لا يمكن للخوارزميات الإليكترونية أن تحاكيها، وهو ما يجعل الفتوى في جوهرها فعلا إنسانيا بامتياز.
وفي المقابل، لم تغفل التوصيات عن الدعوة إلى تسخير الذكاء الاصطناعي في خدمة الفتوى. فبدلا من اعتباره خصما، دعت التوصيات إلى جعله شريكا فاعلاً. وأوصت بإنشاء منصة عالمية موحدة للإفتاء، تكون بمثابة مرجع رقمي ضخم، يضم نصوص الشريعة، والمذاهب الفقهية، وآراء العلماء، بحيث يستطيع المفتي الوصول إليها بسرعة ودقة.