مزارع كهرباء الرياح بالبحر الأحمر مستقبل الطاقة النظيفة في مصر

مزارع كهرباء الرياح بالبحر الأحمر مستقبل الطاقة النظيفة في مصر

تحولت الطاقة الجديدة والمتجددة إلى ثروة من نوع آخر لا تُستخرج من باطن الأرض والجبال بل تُحصد من السماء لتؤكد أن البحر الأحمر ليس فقط بحر الجمال والسياحة والشعاب المرجانية بل بحر الطاقة والمستقبل لمصر وتوفير الطاقة النظيفة لمختلف المشروعات.

«المصري اليوم» رصدت مزارع إنتاج طاقة الرياح على امتداد الطريق الساحلي من الزعفرانة شمالًا حتى الغردقة جنوبًا حيث لم تعد الصحراء الممتدة على جانبي الطريق مجرد فراغ رملي كما كان المشهد لعقود طويلة فاليوم تقف مئات التوربينات البيضاء شاهدة على تحول تاريخي تشهده مصر في مجال الطاقة، حيث تنتشر مزارع الرياح العملاقة على طول الشريط الساحلي في مشهد يعكس دخول البلاد بقوة إلى عصر الطاقة الجديدة والنظيفة ليتحول الفراغ والصحراء الجرداء إلى حقول للطاقة المتجددة.

وحسب المعلومات الخاصة حول مزارع انتاج الكهرباء من طاقة الرياح بالبحر الاحمر تعد منطقة الزعفرانة بمثابة بوابة مصر الأولى لدخول عالم طاقة الرياح في مطلع الألفية الجديدة حيث تقع المحطة في موقع استراتيجي شمال البحر الأحمر.

وتتميز بمتوسط سرعة رياح مرتفع جعلها موقعًا مثاليًا لهذا النوع من الطاقة وتضم عدة مشروعات بالتعاون مع شركاء من ألمانيا والدنمارك واليابان بإجمالي قدرة إنتاجية تجاوزت 545 ميجاوات وهي نموذج ناجح للتعاون الدولي في تمويل وتنفيذ مشروعات الطاقة المستدامة كما ساهمت في تدريب الكوادر المصرية ونقل التكنولوجيا الحديثة.

أما رأس شقير شمال الغردقة فهي من أوائل المناطق التي رُشحت لمشروعات الرياح بفضل موقعها المثالي وتدفق الرياح المستمر طوال العام وتشهد حاليًا أعمال توسعة لمحطة جديدة بطاقة 200 ميجاوات بالتعاون مع مستثمرين أجانب في إطار خطة الحكومة لتعزيز مساهمة الطاقة المتجددة في الشبكة القومية كما تفتح المنطقة آفاقًا جديدة للاستثمار في الصناعات المرتبطة بتصنيع وصيانة التوربينات كما تعد محطة رياح رأس غارب واحدة من أبرز محطات توليد الطاقة المتجددة في مصر إذ تصل قدرتها الإنتاجية إلى 500 ميجاوات اعتمادًا على 200 توربينة بتقنيات حديثة أنشئت بالشراكة بين القطاعين العام والخاص وبتمويل دولي من مؤسسات أوروبية وآسيوية وتقع على بعد نحو 30 كيلومترًا شمال المدينة وتوفر طاقة نظيفة وتخلق مئات الوظائف لأبناء المنطقة كما دفعت نحو تطوير البنية التحتية لتحول رأس غارب تدريجيًا إلى مدينة صديقة للبيئة ومركز طاقة حيوي فيما تظل محطة جبل الزيت الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط بأكثر من 390 توربينة بقدرة إجمالية تصل إلى 580 ميجاوات وتكلفة 12 مليار جنيه مصري وتميزها لا يقتصر على سعتها الإنتاجية بل يشمل نظامًا متكاملًا لرصد الطيور المهاجرة يعمل على إيقاف التوربينات مؤقتًا حفاظًا على التنوع البيولوجي وهو ما يجعلها نموذجًا عالميًا في التوازن بين التنمية وحماية البيئة.

ويقول حمادة غلاب عضو لجنة الطاقة والبيئة السابق بمجلس النواب وابن رأس غارب إن القصة بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي حيث بدأت مصر أولى خطواتها الجادة نحو استغلال طاقة الرياح وكانت منطقة الزعفرانة على رأس الطريق حيث أقيمت واحدة من أكبر محطات الرياح في الشرق الأوسط آنذاك بدعم من شركاء دوليين ومن هنا انطلقت الفكرة التي توسعت مع مرور السنين لتغطي عشرات الكيلومترات على طول الساحل مستفيدة من واحدة من أغنى مناطق العالم بالرياح الدائمة والمستقرة ويضيف أن المسافر على الطريق بين الغردقة والقاهرة أو حتى القادم من شمال الجونة يلحظ بوضوح الصفوف المتراصة من التوربينات التي تدور شفراتها العملاقة بلا توقف فلم يعد الطريق مجرد رمال وجبال بل صار مشهدًا يجمع بين قسوة الطبيعة وجمال التقنية حتى أن أحد السائقين قال مازحًا: «زمان كنا نعدّ الجبال والوديان دلوقتي بقينا نعدّ التوربينات».

وأوضح غلاب أن هذا التوسع في اقامة محطات طاقة الرياح لانتاج الكهرباء لم يكن ممكنًا لولا الشراكات الدولية حيث شاركت مؤسسات ألمانية ويابانية وصناديق تمويل أوروبية في إنشاء المحطات إلى جانب الجهود المصرية فمحطة جبل الزيت مثلًا التي توصف بأنها الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط تضم مئات التوربينات وتوفر فرص عمل للعاملين في مجالات الصيانة والرصد البيئي ولا يقتصر أثر هذه المزارع على إنتاج الكهرباء فحسب بل يفتح آفاقًا جديدة للتنمية فقد ساهمت المشروعات في إنشاء طرق وخدمات لوجستية في مناطق نائية وأوجدت مجتمعات عمل جديدة كما فرضت تحديات مثل حماية الطيور المهاجرة التي تمر عبر هذه المنطقة ما استدعى إطلاق برامج متخصصة لرصد الطيور وتدريب كوادر محلية على مراقبتها.

وأكد غلاب أن المدينة باتت تُعرف اليوم بمدينة إنتاج الطاقة بكل أنواعها من البترول والغاز إلى الطاقة الجديدة والمتجددة وأصبحت رأس غارب أكبر منطقة تحتضن مزارع إنتاج طاقة الرياح في الزعفرانة ورأس شقير وغرب بكر وعلى امتداد الصحراء المتاخمة للساحل تتنوع المشروعات المنتشرة ما بين محطات دخلت الخدمة بالفعل وتنتج آلاف الميجاوات من الكهرباء وأخرى تحت الإنشاء تمثل استثمارات بمليارات الجنيهات وتشير بيانات وزارة الكهرباء إلى أن طاقة الرياح في البحر الأحمر تمثل واحدة من الركائز الأساسية لتحقيق هدف مصر الاستراتيجي بتوليد 42% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2035.

ويؤكد الدكتور منتصر الحامد الاستشاري والخبير البيئي أن التحول نحو الطاقة النظيفة والجديدة لم يعد ترفًا بل ضرورة فالمشروعات المقامة على ساحل البحر الأحمر تسهم في خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري وتقلل من استهلاك البترول والغاز في محطات إنتاج الكهرباء كما تفتح فرص عمل جديدة في مجالات الصيانة والمراقبة والتحكم وتوفر التدريب للمهندسين والفنيين المصريين الذين أصبحوا شركاء أساسيين في تشغيل وإدارة هذه المشروعات بعد أن كانت تعتمد في البداية على خبرات أجنبية وإلى جانب ذلك تسهم هذه المشروعات في تنشيط السياحة البيئية حيث أصبح مشهد التوربينات المتناثرة وسط الصحراء عنصر جذب للزوار الذين يلتقطون الصور أمامها ويعتبرونها معالم حديثة تزين الطريق الساحلي ورغم النجاحات الكبيرة ما تزال هناك تحديات من بينها ارتفاع تكلفة إنشاء التوربينات والحاجة إلى شبكات نقل كهرباء قوية تستوعب القدرات المتزايدة وتوزعها على باقي المحافظات ومع ذلك تؤكد وزارة الكهرباء أن الاستثمارات في هذا القطاع مستمرة وأن مصر في طريقها لتحقيق استراتيجيتها بالوصول إلى نسبة 42% من الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء بحلول عام 2035. وهكذا تتحول رياح البحر الأحمر إلى مورد استراتيجي يمد البلاد بالطاقة النظيفة ويدفع بعجلة التنمية المستدامة نحو مستقبل أقل اعتمادًا على الغاز وأكثر توافقًا مع البيئة فمن رأس شقير إلى جبل الزيت ومن الزعفرانة إلى رأس غارب تصطف توربينات الرياح شامخة تدور شفراتها بسلاسة في مشهد مهيب ليس فقط لإنتاج الكهرباء بل لتوليد أمل جديد في بيئة أنظف واقتصاد أكثر تنوعًا.

ويقول المهندس أحمد عبدالقادر أحد المشرفين على محطة طاقة الرياح بجبل الزيت إن هذه المنطقة من أغنى مناطق العالم بالرياح حيث تتميز بسرعة ثابتة وهو ما يجعل البحر الأحمر كنزًا حقيقيًا للطاقة النظيفة واللافت أن البحر الأحمر الذي احتضن لعقود صناعة النفط والبترول يتحول اليوم ليكون قاعدة للطاقة المتجددة فبينما اشتهرت رأس غارب بأنها مدينة النفط فإنها صارت أيضًا موطنًا لأكبر مشروعات إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح وهذا التحول يفتح الباب أمام مستقبل جديد يجعل من المنطقة نموذجًا عالميًا في التنويع بين مصادر الطاقة.

ومن جانبه اكد اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر أن الصحراء الصامتة منذ الأزل تحولت لحقول تعج بالحركة والدوران فمزارع الرياح المنتشرة على طول الساحل ليست مجرد منشآت صناعية بل عنوان لمرحلة جديدة في تاريخ الطاقة في مصر حيث أصبح البحر الأحمر ليس فقط كنز البترول بل أيضًا كنز الطاقة الجديدة والنظيفة واليوم باتت تلك المساحات الشاسعة مسرحًا لمشهد جديد يعكس مستقبل مصر في الطاقة المتجددة آلاف التوربينات العملاقة تدور شفراتها ليلًا ونهارًا لتعلن أن البحر الأحمر لم يعد مجرد وجهة سياحية فحسب بل أصبح أحد أهم محاور إنتاج الكهرباء النظيفة في الشرق الأوسط من أغنى مناطق العالم في سرعة وانتظام الرياح حيث تصل معدلاتها السنوية إلى أكثر من ثمانية أمتار في الثانية وهذه الخصائص جعلت مصر بدعم من مؤسسات دولية وخبرات أوروبية تختار هذا الموقع لإقامة أضخم مزارع طاقة الرياح ولا يقتصر الأثر على البيئة فقط بل يمتد لدعم الاقتصاد المحلي من خلال آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في التركيب والصيانة والإدارة والخدمات المرافقة كما تسهم المشروعات في تقليل العجز في الميزان التجاري عبر خفض واردات الوقود وتوفير الكهرباء للمناطق النائية بتكلفة أقل ما يحسن جودة الحياة ويخفف الضغط عن الشبكات التقليدية وتسعى مصر إلى الوصول بنسبة 20% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030 مع خطة لتجاوزها وصولًا إلى 42% عام 2035 وتعد منطقة البحر الأحمر قلب هذه الخطة بفضل امتلاكها أعلى معدلات سرعة رياح في العالم تصل أحيانًا إلى عشرة أمتار في الثانية ما يجعلها مثالية لمزارع رياح واسعة النطاق.

وتمضي مصر اليوم بخطى واثقة نحو التحول إلى قوة إقليمية في الطاقة النظيفة مستفيدة من موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية ودعم شركائها الدوليين وسيظل البحر الأحمر بتوربيناته البيضاء المتمايلة على وقع الرياح شاهدًا على إرادة أمة قررت أن تولّد مستقبلها من رحم الطبيعة لتكتب فصلًا جديدًا في قصة التنمية والنهضة ومع هذا البعد التنموي لا تغيب القيمة السياحية حيث لم تعد هذه المحطات مجرد مولدات للكهرباء بل صارت عنصرًا من عناصر السياحة البيئية إذ بدأت بعض الشركات تنظيم جولات تعريفية لزوار الغردقة للتعرف على هذه المشروعات الصديقة للبيئة وهو ما يمهد لتحويل المنطقة إلى مقصد سياحي بيئي بامتياز يتسق مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 التي تضع التحول إلى الاقتصاد الأخضر في قلب أولوياتها.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *