
في الثامنة من صباح كل يوم، اعتاد سكان مشروع الأندلس «247 سابقًا» التابع لجهاز مدينة حدائق أكتوبر على وجود عمال شركة النظافة التابعين لإحدى الشركات الخاصة المسؤولة عن نظافة شوارع المشروع، وهو الأمر الذي كان مستمرًا منذ استلام الأهالي لشققهم السكنية في الإسكان الاجتماعي.
وبعدما كان الأمر أشبه بروتين يومي لسكان المشروع، إذ يشاهدون شبابًا ورجالًا مصريين يقومون بأعمال النظافة وفقًا للتعليمات الموكلة إليهم من الشركة التي يعملون بها، تغيّر الوضع في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، حيث لم يعد العمال الشباب والرجال يحضرون إلى المشروع لأداء واجباتهم، بل فوجئ السكان باستبدالهم بأطفال «تحت السن» سودانيي الجنسية، يحملون حقائب مدرسية ويقومون بأعمال النظافة.


لفت الأمر انتباه السكان، الذين اعتقدوا في البداية أن الوضع مجرد يوم واحد بسبب ظروف خاصة بالعمال المصريين «فوق السن»، إلا أنهم فوجئوا بأن الأمر أصبح بشكل يومي، حيث يحضر الأطفال «تحت السن» سودانيي الجنسية للعمل. وعندما حاول السكان الاستفسار من السيدة المشرفة على العمال، والتي ترافقهم يوميًا خلال عملهم، عن كيفية تشغيل أطفال «تحت السن»، كان ردها: «اليومية بتاعتهم أقل بكتير من الناس الكبيرة».


وينص القانون على أن «يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم خمس عشرة سنة، ومع ذلك يجوز تدريبهم متى بلغت سنهم أربع عشرة سنة بما لا يعوقهم عن مواصلة التعليم».
ويلتزم كل صاحب عمل يدرب طفلًا دون سن الخامسة عشرة بمنحه بطاقة تثبت أنه يتدرب لديه، وتلصق عليها صورة الطفل، وتعتمد من الجهة الإدارية المختصة، وتختم بخاتمها، على أن يكون تشغيل أو تدريب الأطفال وفقًا للظروف والشروط والأحوال التي يحددها القرار الصادر من الوزير المختص.


ويشترط القانون عدم تشغيل الأطفال في أي أعمال خطرة أو مهن تضر بصحتهم البدنية أو النفسية أو أخلاقهم، كما يحدد عدد ساعات العمل بما لا يتجاوز 6 ساعات يوميًا مع فترة راحة لا تقل عن ساعة واحدة.
كما حدد القانون عقوبات صارمة على أصحاب الأعمال المخالفين لضوابط تشغيل الأطفال، حيث ينص قانون الطفل على معاقبة كل من يشغّل طفلًا دون السن القانونية بغرامة تتراوح بين 500 و1000 جنيه عن كل طفل، وتتضاعف الغرامة في حالة التكرار، فيما نص قانون العمل على عقوبات إضافية تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن أسبوع والغرامة حتى 1000 جنيه في حال تكرار تشغيل الأطفال في أعمال خطرة أو محظورة.
وحصلت «المصري اليوم» على صور وفيديوهات من سكان المشروع ترصد الأطفال «تحت السن» خلال عملهم في أعمال النظافة.


وبسؤال الأطفال خلال عملهم، أكدوا أنهم من سكان منطقة «أبناء الجيزة» التابعة لجهاز حدائق أكتوبر، وأن هناك سيدة -لم يذكروا اسمها- تحضر إلى منطقتهم يوميًا مستقلة سيارة، وتستغل حاجتهم لمصدر دخل، حيث تقوم بجمع الأطفال داخل السيارة لنقلهم للعمل في نظافة الشوارع.
وأكد الأطفال أنهم يحصلون على أجر يومي يتراوح بين 50 و60 جنيهًا من تلك السيدة، نظير عملهم على مدار اليوم.


من جانبه، قال المهندس سيد سلامة، نائب رئيس جهاز مدينة حدائق أكتوبر، إن عمالة الأطفال «تحت السن» ممنوعة وفقًا للقانون المصري، ولا يمكن لأي شخص مخالفته.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم»: «سيتم إجراء تحقيق في شكاوى المواطنين من الشركة لتشغيلها أطفالًا تحت السن، وفي حال التأكد من ذلك سيتم تطبيق خصم من مستحقاتها، والتنبيه عليها بعدم تشغيل أطفال تحت السن».


وتابع: «في حال لم تلتزم الشركة ومنعت عمالة الأطفال، يتم توجيه إنذار لها، وفي حالة تكرار المخالفة يتم توجيه إنذار بسحب العمل منها لعدم التزامها بما يقره القانون المصري».
فيما قال أحمد عودة، مدير عمليات شركة النظافة المسؤولة عن نظافة شوارع المشروع، إن ما حدث من وجود أطفال عاملين في النظافة كان خطأ المورد المسؤول عن توفير العمالة، قائلًا: «غلطة ومش هاتتكرر».
وأضاف في تصريحات لـ«المصري اليوم»: «المورد ده هو المسؤول في الشركة عن توفير عمالة خارجية بشكل يومي علشان ينضفوا المشروع، والشركة لم توافق على تشغيل الأطفال، ولما المشكلة وصلت لينا وقفنا شغلهم».


وتابع: «جالنا تعليمات من الشركة إن أي شخص لم يبلغ السن القانونية ولم يستخرج بطاقة رقم قومي يمنع تشغيله فورًا، ومن يحمل بطاقة رقم قومي فقط هو من يسمح له بالعمل».
وأكد أن استعانة المورد بعمالة أجنبية ليس بسبب رواتبها المنخفضة، قائلًا: «إحنا بندي مرتبات كويسة لكل العاملين سواء مصريين أو غير مصريين، وإحنا بنحاسب المورد وهو بعد كده بيحاسب العمال».


وأشار إلى أن الاستعانة بالأطفال كان في يوم واحد فقط، حيث إنهم حضروا مع أولياء أمورهم، لكن السيارة التي تنقلهم كانت قد غادرت، فقرروا الانتظار حتى إنهاء أولياء أمورهم للعمل، ومساعدتهم فقط خلال هذا اليوم.
وبعرض رد الشركة على السكان، نفوا ما قالته الشركة عن أن عمالة الأطفال كانت يومًا واحدًا فقط، وأكدوا أن الأطفال يتواجدون بشكل يومي، وهو أمر مستمر منذ فترة طويلة، ومثبت في تاريخ الفيديوهات والصور المأخوذة للأطفال خلال عملهم في أوقات سابقة.