من غزة المحاصرة إلى الضفة الغربية.. الاقتصاد الفلسطيني على وشك الانهيار

الاحد 20 ابريل 2025 | 08:11 مساءً
يتعرض الاقتصاد الفلسطيني واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه الحديث، لم تكن الحرب الأخيرة المُشتدة مجرد مأساة إنسانية فحسب، بل أيضاً ضربة اقتصادية قاصمة، تركت تداعياتها على كل بيت ومحفظة.
تصاعدت أرقام البطالة والفقر بشكل صادم، والانكماش الاقتصادي تخطى مستويات الحروب السابقة، بينما يواجه الفلسطينيون مستقبلاً غامضاً يتطلب سنوات طويلة للتعافي، إذا ما تحقق أصلاً.
الاحتلال ضمن أبرز أسباب انهيار الاقتصاد الفلسطيني
منذ اندلاع الصراع الأخير في أكتوبر تشرين الأول 2023، تدهورت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية بشكل غير مسبوق، مع سقوط أكثر من 50 ألف قتيل و113 ألف جريح حتى مارس آذار 2025، وقُدر الصراع الأخير أنه أشد من الانكماش خلال الانتفاضة الثانية (2000) وحرب 2014 وجائحة كورونا، بناء على تقرير البنك الدولي في أبريل نيسان 2025.
وعلى الرغم من التوصل إلى هدنة مؤقتة في بداية 2025، فإن انهيارها في مارس آذار أعاد الأوضاع إلى نقطة الصفر، ما فاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية.
شهد الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين انخفاضاً بنسبة 27 في المئة في 2024، في أكبر تراجع منذ 30 عاماً، انهار اقتصاد غزة بنسبة 83 في المئة، فيما تقلص اقتصاد الضفة بنسبة 17 في المئة نتيجة للقيود على التنقل وفقدان فرص العمل.
أصبح سوق العمل في أزمة خانقة؛ بلغت البطالة في غزة 80 في المئة بنهاية 2024، فيما تضاعفت في الضفة إلى 29 في المئة، وقد فقد نحو 90 في المئة من العاملين في قطاعي الصناعة والخدمات في غزة وظائفهم.
تفشى الفقر بشكل صادم، إذ ارتفعت معدلات الفقر من 29 في المئة في 2023 إلى نحو 40 في المئة نهاية 2024، مع اعتماد شبه كلي لأهالي غزة على المساعدات الغذائية.
تضاعفت أسعار الغذاء 100 مرة، وسجل التضخم معدلات جنونية؛ وتجاوز تضخم أسعار المستهلك في غزة 230 في المئة خلال 2024، مدفوعاً بنقص الإمدادات، خاصة بعد انتهاء الهدنة وإغلاق المعابر.
وصل العجز في 2024 إلى 1.3 مليار دولار (9.5 في المئة من الناتج المحلي)، وهو رقم غير مسبوق للسلطة الفلسطينية، مقابل 3.8 في المئة في 2023، وتراجعت تحويلات المقاصة من إسرائيل بأكثر من 50 في المئة، ما أجبر السلطة على تقليص رواتب الموظفين إلى 60-70 في المئة.
يعتبر النظام الصحي على وشك الانهيار، فنصف مستشفيات غزة خرجت عن الخدمة، في ظل تفشي أمراض خطيرة مثل شلل الأطفال، ونقص حاد في الأدوية والمياه.
أما عن أزمة التعليم الشاملة، فإن نحو 745 ألف طالب في غزة خارج المدارس منذ أكثر من عام، و95 في المئة من المنشآت التعليمية تضررت أو دُمرت، وفي الضفة تقلصت أيام الدراسة إلى يومين أسبوعياً بسبب العجز المالي.
بالنسبة للبنوك فهي صامدة ولكنها في خطر، لا تزال البنوك الفلسطينية تحتفظ بسيولة معقولة، إلا أن خسائر القروض تزايدت، وتضرر 98 في المئة من البنية التحتية المصرفية في غزة.
يعتبر التحول الرقمي هو الملاذ الأخير، فقد ساعدت المحافظ الإلكترونية، التي يستخدمها أكثر من نصف مليون فلسطيني في غزة، في تخفيف أزمة السيولة، كما زادت التحويلات الإلكترونية عبر نظام «براق» لتتخطى 480 ألف معاملة في الربع الأخير من 2024.
ومن الجدير بالذكر أن النساء هم الأكثر تضرراً اقتصادياً؛ سجلت أكثر من نصف المشاريع النسائية في غزة والضفة تراجعاً حاداً في الأداء، و62 في المئة من رائدات الأعمال قمن بتقليص عدد العاملين.
وتجاوزت احتياجات إعادة الإعمار ثلاثة أضعاف الناتج المحلي، فقد قدر البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار بنحو 53.2 مليار دولار، منها 20 مليار دولار عاجلة خلال ثلاث سنوات، بلغت وحدها الأضرار في قطاع الإسكان 15.8 مليار دولار.
إعادة إعمار غزة تتجاوز قدرات الاقتصاد الفلسطيني
وفق تقديرات البنك الدولي، لن تعود غزة إلى مستويات الدخل ما قبل الأزمة قبل عام 2038، بينما قد تتعافى الضفة بحلول 2028، ما تشهده الأراضي الفلسطينية ليس مجرد ركود اقتصادي، بل انهيار شبه كامل لمقومات الدولة والمجتمع.
وبينما تبقى نهاية الصراع هي الأولوية القصوى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن معالجة الفجوة المالية، وتحفيز القطاع الخاص، وإصلاح البنية التحتية، ستتطلب جهوداً دولية جبارة وخارطة طريق طويلة الأمد تعيد الأمل إلى اقتصاد جريح وشعب منهك يناضل ويقاوم.
نقلا عن الجريدة العقارية