صراحة نيوز-كشف مصدر دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، أن زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو تحمل جانبا كبيرا من ملفات إحياء بلاده لبرنامجها النووي، بمستويات دعم روسي سواء على شكل رسمي أو عبر شركات روسية ومتعددة الجنسيات، من خلال تقديم احتياجات تقنية وفنية لإعادة تشغيل مفاعلاتها التي تضررت في حرب الـ12 يوماً.
أوضح المصدر أن طهران كانت تعمل على إعادة تشغيل نحو 50% من قدرات برنامجها النووي ومفاعلاته إلى ما كانت عليه قبل الحرب الأمريكية الإسرائيلية عليها في يونيو الماضي، وذلك قبل حلول الصيف القادم.
أضاف أن العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن، إلى جانب العقوبات الأممية المرتبطة بتفعيل آلية “سناب باك”، حالت دون عمل كيانات وشركات كانت توفر لإيران الأدوات والأجهزة اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وأشار إلى أن طهران حاولت تعويض ذلك عبر التصنيع المحلي في مراكز الأبحاث، بالاعتماد على خبرات علمائها الذين يشكلون اليوم العنصر الأهم في استمرارية البرنامج.
وبيّن المصدر أن العقوبات الأخيرة التي فرضت من واشنطن ودول أوروبية على شركات إيرانية أو متعددة الجنسيات في مجال المستلزمات والأجهزة، بما يشمل الطرد المركزي ومصفحات البناء الصلبة وأجهزة برمجيات التخصيب، عطلت جانباً كبيراً من العمل السريع الذي تسير فيه طهران لإحياء برنامجها النووي، ما دفعها للبحث عن شركات بديلة عبر روسيا.
أردف المصدر أنه على أثر ذلك، لجأت طهران إلى موسكو لبحث إمكانية توفير مستلزمات ضرورية لمفاعلاتها المتضررة لإعادة تشغيلها، والتعاقد مع شركات روسية أو متعددة الجنسيات لتحل محل الشركات التي فُرضت عليها عقوبات مؤخراً.
واستبعد المصدر أن تلبي روسيا الحد الأدنى من الاحتياجات الإيرانية، والتي تتمثل في صفقات ترغب طهران في إبرامها مع شركات روسية أو متعددة الجنسيات مقابل صفقات مسيرات وصواريخ محلية الصنع، وهو ما يعتبر غير جذاب لتلك الشركات، رغم التقييم الإيراني العالي لهذه المعدات.
واستكمل المصدر أن طهران تسعى للحصول على جزء من احتياجاتها مقابل عقود آجلة ضمن اتفاقيات تحت مظلة معاهدة الشراكة الاستراتيجية التي وقعها البلدان في الشتاء الماضي، لكن روسيا ستتعامل معها بمستويات محدودة، خاصة بعد التجربة السابقة في تنفيذ بنود هذه المعاهدة.
توجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو على رأس وفد دبلوماسي لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية، وأفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن برنامج الزيارة يتضمن لقاءات مع مسؤولين سياسيين وبرلمانيين ومثقفين وخبراء روس، بالإضافة إلى بحث تعزيز التجارة الثنائية ومشاريع مشتركة في الطاقة والنقل، وتبادل الآراء حول أزمة البرنامج النووي الإيراني.
وأكد عباس عراقجي أن الخيار العسكري لا يشكّل حلاً للملف النووي الإيراني، مشدداً على أن التجارب السابقة أثبتت فشل الضغوط والتهديدات والهجمات في وقف البرنامج النووي، لأن “التكنولوجيا وإرادة الشعوب لا يمكن تدميرها بالقصف”.
وأوضح أنه رغم استخدام الأسلحة المتطورة، لم تنجح الهجمات العسكرية في إيقاف الأنشطة النووية الإيرانية، مشيراً إلى أن سنوات طويلة من التهديد والعقوبات والعمليات العسكرية “لم تُحقق أي نتيجة تُذكر”.
بدوره اعتبر أستاذ العلاقات الدولية وعضو مركز البحوث العلمية الروسية الدكتور ميرزاد حاجم أن زيارة عراقجي إلى موسكو غير عادية، في ظل تحول العلاقة بين البلدين من التعاون الاستراتيجي إلى علاقة وجودية، مع إدراكهما أن لديهما عدواً مشتركا، وأن الأطراف التي تعادي موسكو هي نفسها التي تقف أمام طهران، لافتاً إلى أن العقوبات تفرض عليهما تحديات كبيرة.
أوضح حاجم أن الزيارة تهدف بالأساس إلى إعادة هيكلة المسارات التي تمكّن البلدين من تفادي ضغوط الخنق الاقتصادي والتقني، مع اعتماد إيران على روسيا في دعم برنامجها النووي، خاصة في ما يتعلق بالتقنيات المزدوجة مثل قطع الغيار.
ذكر أن إيران لا تعاني فقط من نقص اليورانيوم، بل تواجه نقصاً في أجهزة الطرد المركزي التي كانت تستوردها سابقاً من دول أوروبية وآسيوية، إضافة إلى بعض سبائك الصلب وتقنيات أخرى كان مصدرها ألمانيا، وأن روسيا تمتلك بدائل لهذه المعدات مثل المضخات وغيرها.
وأضاف أن النقطة الأساسية هي إحياء البرنامج النووي الإيراني بمساعدة موسكو والالتفاف على الحظر المفروض على طهران.
وأشار إلى أن محطة بوشهر النووية تعمل رسمياً بإشراف روسي، ما يتيح لموسكو تمرير ما تريد عبر تبادل الوقود أو النفط أو الاقتصاد الموازي، بما يشمل المسيرات والآليات الأخرى لتبادل الأدوار والمصالح.
صرّح حاجم بأن السوق الإيرانية تشكل بوابة مهمة لدخول المنتجات الروسية إلى الشرق الأوسط عبر العراق وسوريا ودول أخرى، مؤكداً على أهمية الفيتو الروسي الذي يوفر الحماية والمظلة الدبلوماسية لإيران سواء في مجلس الأمن أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يجعلها قادرة على تعطيل أو إيقاف أي قرار دولي ضدها.
