الاربعاء 12 فبراير 2025 | 02:23 مساءً
الولايات المتحدة وإيران.. صفقة كبرى أم فرصة ضائعة؟
في مواجهة القمع الوحشي للموجة الاحتجاجية التي بدأت في سبتمبر 2022، يمثل المحتجون، الذين يشكلون طيفًا واسعًا ومتزايدًا من المجتمع الإيراني، تحديًا عميقًا لنظام يعاني من سلسلة من الخسائر المدمرة في الخارج وأزمة شرعية في الداخل.
وبحاجة ماسة إلى تخفيف العقوبات لإنقاذ اقتصادها المتدهور بشدة، أبدت إيران اهتمامًا بإبرام اتفاق نووي جديد، مما يوفر للولايات المتحدة فرصة تاريخية للتفاوض على صفقة كبرى قد تعيد تشكيل الشرق الأوسط، وفقًا لتقرير فورين بوليسي.
دعم حقوق الإنسان في إيران
لكن بينما يفكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صانع الصفقات، ووزير الخارجية ماركو روبيو، الذي لطالما دعم حقوق الإنسان في إيران، في ملامح الاتفاق الجديد، يجب ألا يتخلوا عن هؤلاء المحتجين الشجعان لصالح المتشددين في النظام.
إذا لم يكن النظام الإيراني مسؤولًا أمام شعبه، فقد يستغل أي صفقة لتخفيف العقوبات من أجل تعزيز قمعه للمجتمع المدني، مما يضمن بقاء الجمهورية الإسلامية وعودتها كخصم عنيد للولايات المتحدة ومصالحها الأمنية.
لذلك، ينبغي على إدارة ترامب أن تضمن أن أي اتفاق جديد يتضمن بنودًا تحمي وتدعم نشطاء المجتمع المدني، فالدعم الأميركي القوي للمجتمع المدني الإيراني، الذي يعارض بشدة سياسات النظام الإقليمية ونهجه المناهض للغرب، يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في توجيه إيران نحو تقارب أكثر ديمومة ومعنى مع الولايات المتحدة.
إيران بحاجة إلى الاتفاق أكثر من الولايات المتحدة
في ظل انهيار الاقتصاد الإيراني، يمتلك ترامب نفوذًا كبيرًا للتفاوض على اتفاق جديد يعالج اعتراضاته المعلنة على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي أُبرمت في عهد أوباما، بما في ذلك فرض قيود أكثر صرامة على البرنامجين النووي والصاروخي لإيران، ومنعها من إعادة تسليح قواتها بالوكالة.
وكما وجدت جماعة حزب الله في لبنان نفسها تتفاوض من موقع ضعف بعد خسائر فادحة، فقد تجد إيران نفسها في موقف مشابه بشأن برنامجها النووي وسعيها إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.
لكن مثل هذا الاتفاق، رغم أنه سيكون انتصارًا لإدارة ترامب، سيزيد من عائدات النفط الإيرانية بعشرات المليارات من الدولارات، مما يمنح النظام شريان حياة اقتصاديًا يمكنه من استعادة مكانته كفاعل إقليمي مزعزع للاستقرار.
لذا، لا ينبغي أن تخدع إدارة ترامب نفسها بشأن طبيعة النظام الإيراني، الذي طالما تبنى سياسة "الصبر الاستراتيجي".
دعم المجتمع المدني الإيراني
رغم أن ترامب لم يُبدِ اهتمامًا بتغيير النظام في إيران، فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة حيوية في مستقبل البلاد. عدم السعي إلى تغيير النظام لا يعني الوقوف موقف المتفرج، بل يجب على الولايات المتحدة دعم الشعب الإيراني من خلال الإصرار على تضمين شروط في أي اتفاق جديد تضمن حماية النشطاء والمحتجين الذين سيلعبون دورًا حاسمًا في تحديد اتجاه إيران في المستقبل.
إيران واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي تمتلك مجتمعًا مدنيًا قويًا ونشطًا ومتعلمًا. لقد ناضل المحامون والناشطون وقادة العمال والمعلمون والصحفيون والفنانون وغيرهم طويلًا من أجل الدفاع عن الحقوق الأساسية.
كما أن المجتمع المدني الإيراني نشط في الشتات، وأي اتفاق جديد يجب أن يشترط إنهاء استهداف النظام للمعارضين في الخارج. من شأن مثل هذا الشرط أن يمكّن المعارضين الإيرانيين حول العالم من الدعوة إلى إصلاحات ديمقراطية دون خوف من الانتقام.
شروط محددة لحماية المجتمع المدني
ينبغي أن تعمل واشنطن، بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ذات الخبرة الطويلة في الشأن الإيراني، على صياغة شروط واضحة وقابلة للقياس تضمن حماية المجتمع المدني. يمكن أن تشمل هذه الشروط:
إلغاء أحكام الإعدام بحق 54 سجينًا سياسيًا حُكم عليهم بالإعدام.
الإفراج عن السجناء السياسيين البارزين، مثل الحائزة على جائزة نوبل نرجس محمدي.
إطلاق سراح المحامين الحقوقيين المعتقلين وإسقاط القضايا ضدهم.
إلغاء قانون الحجاب والعفة الجديد، الذي يسعى المتشددون من خلاله إلى إنهاء حركة "المرأة، الحياة، الحرية".
إنشاء آلية لإعادة فرض العقوبات تلقائيًا في حال انتهاك هذه الشروط.
هل النظام الإيراني مستعد للتفاوض؟
أرسل المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، إشارات متضاربة بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة، إذ قال في أغسطس 2024 إنه "لا يوجد مانع" للمحادثات، لكنه وصفها لاحقًا بأنها "غير حكيمة وغير مشرفة".
لكن في ظل تدهور شرعية خامنئي والمتشددين، والتقارير عن تدهور صحته، قد يصبح النظام أكثر عرضة لقبول شروط كان يرفضها سابقًا.
مع استمرار حملة "الضغط الأقصى" لترامب، ودفعه لحلفاء واشنطن الأوروبيين لإعادة فرض العقوبات، سيزداد الضغط الشعبي على النظام، وسيتفاقم وضعه الاقتصادي، مما قد يدفعه في النهاية إلى القبول بشروط جديدة لم يكن يتخيلها من قبل.
اقرأ ايضا