قبل يومين، تمكن الحرس المدني الإسباني من توقيف سيدة مغربية، تبلغ من العمر حوالي 44 سنة، في مطار برشلونة بعدما تبين أنها تحمل داخل أحشائها 187 كبسولة من الحشيش، أي ما يعادل كيلوغرامين.
هي واحدة من “البوليروس” أو “البغال البشرية”، التي تخاطر بحياتها وحريتها مقابل حفنة من المال، حاملة في أحشائها شحنات الموت وقنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة.
يبدو المشهد أقرب إلى فيلم إثارة، لكنه واقع يومي في شبكات التهريب الدولي، حيث يصبح الإنسان مجرد وسيلة نقل رخيصة لتجارة مربحة.
رحلة الموت
وراء كل “بغل بشري” قصة معاناة دفعت صاحبها إلى المقامرة بحياته، ليجد نفسه في قبضة عصابات لا تتردد في التضحية بهم عند أول خطأ، فالموت هنا لا يأتي برصاصة، بل بانفجار كبسولة داخل الأمعاء.
قبل خوض رحلة الموت، يتم تدريب المهربين على ابتلاع الكبسولات بطرق خاصة، تتطلب تحكما في التنفس وتوسيع الحلق لتجاوز رد الفعل الطبيعي للجسم، إذ يستطيع كل “بغل” ابتلاع حوالي 200 كبسولة. بعدها، يفرض على “البوليروس” الإمساك عن الأكل والشرب وتقليل نشاط الأمعاء عبر أدوية خاصة، إلى أن يصل إلى وجهته حيث يتم استخراج الكبسولات تحت رقابة صارمة وحراسة مشددة لمنع أي غدر.
طرق بديلة
يرى الدكتور محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن لجوء شبكات تهريب المخدرات إلى أساليب مستحدثة، مثل تسخير الأفراد لابتلاع الكبسولات المحملة بالمخدرات رغم المخاطر الصحية الجسيمة التي تتهددهم، يعكس حجم الضغوط الأمنية المتزايدة على هذه الشبكات.
وقال بنعيسى، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن هذه التحولات تأتي نتيجة الضربات الأمنية القوية التي تلقتها عصابات التهريب في الفترة الأخيرة، خاصة بعد اكتشاف نفق سبتة واعتقال عدد من السياسيين وعناصر من الحرس المدني الإسباني المتورطين في شبكات التهريب، وهو ما دفع هذه العصابات إلى البحث عن طرق بديلة تتيح لها الاستمرار في أنشطتها غير المشروعة.
وأضاف الفاعل الحقوقي ذاته أن ضبط هذه الأساليب الجديدة في التهريب يواجه تحديات كبيرة، إذ يعتمد بشكل أساسي على خبرة وحنكة ضباط الأمن والجمارك، إضافة إلى قدراتهم الاستخباراتية في رصد السلوك المشبوه، مشيرا إلى أن الأفراد المتورطين في مثل هذه العمليات غالبا ما يظهرون اضطرابات واضحة أثناء عمليات التفتيش عند المعابر الحدودية، ما قد يساعد رجال الأمن على كشف محاولاتهم، لكنه يظل رهانا صعبا في ظل تطور أساليب التهريب.
تضييق الخناق
الدكتور أحمد درداري، رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات، قال إن تكثيف الجهود الأمنية المشتركة بين السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية في مواجهة الأنشطة الإجرامية، لا سيما تهريب المخدرات، يدفع العصابات إلى تطوير أساليبها والتحايل على آليات الرقابة عند نقاط التفتيش.
وأوضح منسق ماستر التدبير الاستراتيجي للسياسات الأمنية، في تصريح لهسبريس، أن تضييق الخناق على أنشطة التهريب التقليدية أدى إلى استحداث طرق أكثر تعقيدا، أبرزها تهريب المخدرات عبر ما يعرف بـ”البغال البشرية”، مبرزا أن هذا المعطى يفرض تساؤلات ملحة حول سبل تعزيز التعاون الأمني وتطوير تقنيات متقدمة للكشف عن هذه الأساليب الإجرامية، بالإضافة إلى ضرورة استباق خطط العصابات التي تسعى دوما إلى ابتكار طرق جديدة لتمرير شحناتها غير المشروعة.
وأورد المصدر عينه أن ضبط سيدة مغربية تحمل في أحشائها 187 كبسولة من المخدرات، يعكس تطور عمليات التهريب، مضيفا أن هذه الأساليب المستحدثة تفرض على الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية تطوير أدوات الرصد والمراقبة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي والتكنولوجي لمكافحة التهريب الدولي للمخدرات، خاصة مع الحملات الأمنية المشتركة التي نجحت في الحد من الأساليب التقليدية للمهربين.
وذكر رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات أن أساليب تهريب المخدرات لم تعد محصورة في نطاق معين، ما يستوجب أن يتجاوز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الرباط ومدريد المقاربات التقليدية التي لم تعد كافية لمواجهة تطور أساليب العصابات الإجرامية المتخصصة في تهريب البشر والمخدرات والممنوعات عبر المتوسطـ، بل أصبح من الضروري رفع مستوى التحديات الأمنية باستخدام تقنيات متقدمة لمواجهة هذه التهديدات التي تمس الاستقرار الأمني والاجتماعي لدول المنطقة.
وختم درداري تصريحه بالتشديد على أن الواقع يفرض ضرورة تثبيت أجهزة مسح ضوئي (سكانيرات) متطورة في مختلف نقاط التفتيش، لتعزيز قدرة الأجهزة الأمنية على إحباط عمليات التهريب عبر المنافذ البرية والبحرية، كما أن رفع مستوى التنسيق بين المؤسسات الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، وتزويدها بأحدث تقنيات المراقبة والتتبع، يعدّ خطوة أساسية نحو الحد من أنشطة شبكات التهريب التي تستغل الثغرات الأمنية بين ضفتي المتوسط.