يرى نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الميزانية ومراجعة الأداء والتخطيط الإستراتيجي، سامويل ميمبو (Samuel Maimbo)، أن “رحلة إفريقيا نحو الازدهار بإمكانها تحقيق مكاسب هائلة، رغم أن الطريق لن تكون سهلة”، موصياً بأن وصفة التغلب على تحديات القارة كامنة في “الاستثمار في شعوبها ومواردها وشراكاتها”.
جاء هذا في مقال رأي توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، بعنوان “طريق إفريقيا نحو الازدهار.. دعوة للاستثمارات والإصلاحات الإستراتيجية”، حيث شدد المسؤول المالي البارز في رئاسة مجموعة البنك الدولي على فكرة أن “إفريقيا عند مفترق طرق حاسم، تزخر بالإمكانات لكنها تواجه تحديات تتطلب حلولاً مبتكرة”.
وأوضح المستشار الرئيسي للإدارة العليا بشأن تخصيص الموارد والتخطيط المالي أن “السكان الشباب، والموارد الطبيعية، وروح المبادرة في القارة” عناصر توفر “فرصة فريدة للتحول”، مستدركا بأنه “مع ذلك، لتحقيق هذا الإمكان يجب اعتماد إستراتيجية جرّيئة وواضحة المعالم تركز على 5 مجالات رئيسية: تمكين الشباب عبر الصحة والتعليم، توسيع الوصول إلى الطاقة، ضمان الأمن الغذائي، تعزيز التجارة داخل القارة، وإعادة تعريف البنية التحتية لتحقيق التنمية المستدامة”.
نبذة تعريفية
منذ يوليوز 2023 يشغل كاتب المقال –حاليًا- منصب نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الميزانية ومراجعة الأداء والتخطيط الإستراتيجي، كما يتولى مسؤولية “الإشراف على محفظة الميزانية الشاملة للمؤسسة، التي تشمل الصناديق الإدارية والائتمانية والأموال القابلة للاسترداد”، مع حرصه على توجيه هذه الموارد بما يتماشى مع أولويات البنك الدولي وأهدافه المتعلقة بالاستدامة المالية والأهداف التشغيلية.
وبخبرة تراكمية لنحو ثلاثة عقود، اشتغل خلالها كاتب المقال مديراً لحشد الموارد لجمعية التنمية الدولية (IDA) وقسم التمويل المؤسسي للبنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD)، وكذا كرئيس للأركان لرؤساء البنك الدولي المتعاقبين، لعب دورًا محوريًا في تعزيز مهمة وإستراتيجية المؤسسة على أعلى المستويات.
وبصفته “المستشار الرئيسي للإدارة العليا” في “تخصيص الموارد والتخطيط المالي” يعدّ الدكتور ميمبو قائد عمليات التخطيط الإستراتيجي والتشغيلي متعددة السنوات للمؤسسة، ما يضمن الانضباط المالي وتحقيق الأهداف الرئيسية.
بعد مسار دراسي ومهني بأحد بنوك زامبيا مفتشاً ثم مدقق حسابات حصل ميمبو على درجة الدكتوراه في الإدارة العامة (المصرفية) من جامعة مانشستر، وماجستير إدارة الأعمال في المالية من جامعة نوتنغهام، ما عضَّد خبرته الواسعة في مجالات المحاسبة، وتمويل التنمية والتخطيط الإستراتيجي وحشد الموارد، ما يجعله مثالًا للقيادة التحويلية ذات الطابع الإفريقي الشامل، مستندًا إلى رؤية ملهمة لإعادة تعريف مسار التنمية في إفريقيا.
نص المقال:
طريق إفريقيا نحو الازدهار .. دعوة للاستثمارات والإصلاحات الإستراتيجية
تقف إفريقيا عند مفترق طرق حاسم، تزخر بالإمكانات لكنها تواجه تحديات تتطلب حلولاً مبتكرة. يوفر السكان الشباب، والموارد الطبيعية، وروح المبادرة في القارة، فرصة فريدة للتحول؛ ومع ذلك لتحقيق هذا الإمكان يجب اعتماد إستراتيجية جريئة وواضحة المعالم تركز على خمسة مجالات رئيسية: تمكين الشباب، توسيع الوصول إلى الطاقة، ضمان الأمن الغذائي، تعزيز التجارة داخل القارة، وإعادة تعريف البنية التحتية لتحقيق التنمية المستدامة.
التعليم والصحة ومستقبل الأجيال الأفريقية
يعد الشباب الأفارقة أعظم أصول القارة، لكن الملايين منهم يواجهون عقبات تحول دون تحقيق إمكاناتهم. مازالت أنظمة التعليم في القارة غير محدثة وغير مجهزة لإعداد الشباب لوظائف المستقبل. يجب تحديث المناهج لتتناسب مع واقع العالم المعولم، مع إعطاء الأولوية للمهارات التقنية والمهنية إلى جانب التعليم التقليدي.
الصحة أيضًا حجر الزاوية في التنمية. بدون تغذية جيدة ورعاية صحية واستثمار مبكر لا يمكن للأطفال أن يزدهروا. معالجة الفجوات الصحية يجب أن تكون أولوية للدول الإفريقية وشركائها في التنمية. الاستثمار في الشباب ليس مجرد التزام اجتماعي، بل هو أساس النمو الاقتصادي والابتكار.
تزويد إفريقيا بالطاقة لمستقبلها
فقط 5% من سكان إفريقيا لديهم وصول موثوق إلى الكهرباء – وهو رقم يسلط الضوء على أزمة الطاقة في القارة. بدون كهرباء لا يمكن للمدارس والمستشفيات والصناعات العمل بفعالية. وبينما تحمل الطاقة المتجددة وعوداً كبيرة فإن الانتقال إلى الطاقة المستدامة يجب أن يشمل مزيجاً عملياً من المصادر التقليدية، مثل الغاز الطبيعي ،إلى جانب الطاقة الشمسية والرياح لتلبية الاحتياجات العاجلة لإفريقيا.
تمويل البنية التحتية للطاقة أمر أساسي. يجب على البنوك التنموية الإفريقية الاستفادة من رأس المال الخاص، واستخدام ضمانات الائتمان، وتشجيع الشراكات مع المؤسسات الدولية. الوصول إلى طاقة موثوقة وميسورة التكلفة هو أساس النمو الصناعي والتعليم والرعاية الصحية، ويجب أن يكون أولوية قصوى.
الأمن الغذائي والتنمية الزراعية
الجوع واقع يومي لملايين الأفارقة، ومع ذلك تمتلك القارة 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. يبرز هذا التناقض الحاجة إلى الإصلاح. يمكن للاستثمارات في البنية التحتية الريفية – مثل الطرق وشبكات الري ومرافق التخزين – أن تطلق العنان لهذا الإمكان، ما يربط المزارعين بالمستهلكين في جميع أنحاء القارة.
علاوة على ذلك يجب إعطاء الأولوية لسلسلة القيمة. بدلاً من تصدير المواد الخام بأسعار منخفضة يجب أن تركز إفريقيا على معالجة وتعبئة المنتجات الزراعية محلياً. هذا لا يخلق فرص عمل فحسب، بل يقلل أيضًا من الاعتماد على واردات الغذاء، ما يعزز استقرار الاقتصادات والعملات المحلية.
التجارة داخل القارة: فرصة ضائعة
رغم كونها جيرانًا، تتاجر الدول الإفريقية مع بعضها البعض أقل بكثير مما تتاجر مع الأسواق البعيدة في أوروبا أو آسيا. هذا الاعتماد على الأسواق الخارجية يجعل إفريقيا عرضة للاضطرابات العالمية ويقلل من قيمة إمكانات التجارة الإقليمية.
تمثل “منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA” فرصة تحولية، لكن نجاحها يعتمد على التنفيذ. يجب على الحكومات والمؤسسات مثل البنك الإفريقي للتنمية (AfDB) إعطاء الأولوية لتقليل الحواجز التجارية، وتبسيط التعريفات، وبناء البنية التحتية لتسهيل التجارة عبر الحدود.
إلى جانب ذلك يعد تعزيز التجارة الإقليمية مسارًا نحو السلام. الدول ذات الروابط الاقتصادية القوية تقل احتمالية انخراطها في الصراعات. التكامل التجاري ليس مجرد ضرورة اقتصادية؛ بل هو أداة للاستقرار والمرونة.
رؤية أوسع للبنية التحتية
غالبًا ما يتم اختزال مفهوم البنية التحتية في الحديث عن الطرق والجسور، لكن احتياجات إفريقيا أكثر شمولاً. يتطلب التطوير الحقيقي نهجًا شاملاً يشمل البنية التحتية الرقمية، والإصلاحات التنظيمية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص لخلق نظام بيئي مستدام للنمو.
الشفافية في استثمارات البنية التحتية أمر بالغ الأهمية. تدفع إفريقيا أكثر من أي منطقة أخرى لبناء الطرق والمطارات بسبب عدم الكفاءة والفساد. يمكن تخفيف هذا العبء من خلال اعتماد أفضل الممارسات في إدارة العقود والتركيز على الملكية المحلية والصيانة.
تجاوز الديون.. تمويل التنمية في إفريقيا
لا يمكن تجاهل تحديات الديون في إفريقيا، لكن الرواية القائلة إن جميع الديون سيئة هي رواية مبسطة للغاية. بدلاً من ذلك يجب التمييز بين الديون الإنتاجية وغير الإنتاجية. الاستثمارات في الطاقة والزراعة والبنية التحتية الداعمة للتجارة تحقق عوائد تفوق تكاليفها بكثير.
إصلاح هيكلية الديون أمر ضروري. الأطر الحالية، مثل الإطار المشترك، بطيئة وغير فعالة. تحتاج إفريقيا إلى منصة مصممة خصيصًا لتحدياتها الفريدة – منصة تسرع مفاوضات الديون وتوسع الأدوات المالية لتشمل الضمانات والتمويل المدعوم بالموارد والشراكات مع صناديق التقاعد المحلية.
الطريق إلى الأمام
تنمو إفريقيا بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، لكن التقدم البطيء في بعض المجالات يعيق القارة. لتحقيق إمكاناتها بالكامل يجب على إفريقيا تبني إستراتيجية شاملة تمكّن شبابها، وتوسع الوصول إلى الطاقة، وتضمن الأمن الغذائي، وتعزز التجارة، وتحدث البنية التحتية.
تتطلب هذه الأولويات قيادة جريئة، وتمويلاً مبتكراً، والتزامًا بالشفافية والمساءلة. تلعب المؤسسات مثل البنك الإفريقي للتنمية دورًا حاسمًا، ليس فقط كممولين، بل كجهات ميسرة للتغيير النظامي.
لن تكون رحلة إفريقيا نحو الازدهار سهلة، لكن مكاسبها هائلة. من خلال الاستثمار في شعوبها ومواردها وشراكاتها، يمكن للقارة أن تتغلب على تحدياتها وتصبح قائدًا عالميًا في التنمية المستدامة. الوقت للعمل هو الآن.