بادئ ذي بدء، أوجه تحية خالصة صادقة من قلبي وقلب كل كويتي وعربي ومسلم بل وكل إنسان لا يزال يؤمن بالحرية والحق والخير والعدل، إلى غزة وشعبها الأبي وصموده، هذا الشعب الذي ضرب أروع مثال في الصبر والثبات، هذا الشعب الذي يستحق التكريم وقد تحمل ما لا يتحمله بشر، هذا الشعب الذي أذهل العالم سواء في الحرب أو السلم.. وأثبت أن غزة ليست مجرد أرض، بل رمز للعزة والكرامة، وأهلها ليسوا مجرد سكان، بل أسطورة حية تحكي عن التضحية والصمود.
ومؤخرًا خرج علينا السيد دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يطالب بل يعلن عن خطة لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة إلى مصر والأردن، بدعوى إعادة إعمارها لأنها باتت جحيمًا لا يمكن للبشر العيش فيه، خطة لا تحمل سوى عناوين الخداع وتغلف الظلم بغلاف مزيف من الإنسانية.
وبالطبع تابعت التصريحات القوية والمواقف المشرفة التي صدرت عن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي رفض رفضًا قاطعًا قبول تهجير الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن هذا ظلم لا يمكن أن تشارك فيه مصر. بل ونبّه إلى خطورة الوضع على المنطقة كلها إذا تم ذلك، مشيرًا إلى أن هذا الأمر من شأنه تصفية القضية الفلسطينية وإهدار حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، بل وإشعال المنطقة كلها.
وكذلك فعل جلالة الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، الذي أكد على تمسكه وتمسك بلاده برفض هذه الخطة الشيطانية لتهجير الفلسطينيين، مشددًا على أن الأردن سيظل داعمًا للحق الفلسطيني في العودة والبقاء على أرضه.
ولم يختلف الموقف السعودي عن مصر والأردن، إذ أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا قويًا أكدت فيه إصرار المملكة، ملكًا وولي عهد وحكومة وشعبًا، على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وإعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها.
وقبل أن أنسى، تحية كبيرة لكل من قيادة مصر ممثلة في فامة الرئيس السيسي وأخيه الأمير تميم بن حمد أمير قطر، على ما بذلته القاهرة والدوحة من جهود من أجل إنها حرب الإبادة هذه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أروح أطفال ونساء وشيوخ وشباب ورجال غزة الأبرياء.
كما وفي مقال جريء بمناسبة دعوة دونالد ترامب الأخيرة لنقل الفلسطينيين من غزة، كتب الأمير تركي الفيصل، السفير السعودي السابق في واشنطن ولندن، رسالة تتوافق ورؤيتي الشخصية ويقيني، نشرتها صحيفة "ذا ناشيونال"، قال فيها:
"الشعب الفلسطيني ليس مهاجرًا غير شرعي يتم ترحيله إلى أراضٍ أخرى. إن الأرض هي أرضهم والبيوت التي هدمتها إسرائيل هي بيوتهم، وسوف يعيدون بناءها كما فعلوا بعد الهجمات الإسرائيلية السابقة عليهم.
إن أغلب سكان غزة لاجئون طردوا من ديارهم في ما أصبح الآن إسرائيل والضفة الغربية بسبب الهجوم الإسرائيلي الإبادي السابق عليهم في حربي 1948 و1967.
وإذا كان من المقرر أن يتم إبعادهم من غزة، فينبغي السماح لهم بالعودة إلى ديارهم وبساتين البرتقال والزيتون في حيفا ويافا وغيرهما من المدن والقرى التي فروا منها أو طردوا منها بالقوة على يد الإسرائيليين.
السيد الرئيس، لقد سرقت عشرات الآلاف من المهاجرين الذين قدموا إلى فلسطين من أوروبا وأماكن أخرى بعد الحرب العالمية الثانية بيوت الفلسطينيين وأراضيهم، وأرعبوا السكان، وشاركوا في حملة تطهير عرقي.
ولكن للأسف الشديد، وقفت أميركا والمملكة المتحدة، المنتصرتان في الحرب، إلى جانب عمليات الإخلاء القاتلة للفلسطينيين من ديارهم وأراضيهم، بل وساعدت في تسهيلها.
إن العنف وسفك الدماء الذي نشهده اليوم هو نتيجة لهذا العمل والتواطؤ البريطاني السابق مع الطموحات الصهيونية منذ عام 1917 وحتى ذلك الحين.
السيد الرئيس، إن نيتكم المعلنة لإحلال السلام في فلسطين تحظى بإشادة كبيرة في منطقتنا من العالم. وأقترح بكل احترام أن الطريقة لتحقيق ذلك هي إعطاء الفلسطينيين حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير ودولة عاصمتها القدس الشرقية."
وأزيد عل ذلك أنه لا يمكن للفلسطينيين إلا التمسك بأرضهم، فقد قدموا قرابة 50 آلاف شهيد، وأضعافهم من الجرحى. هذا الدم الفلسطيني الطاهر هو شهادة حية على أن الأرض ليست مجرد تراب، بل هوية وكرامة.
السيد ترامب، أؤكد لك أن الأمة العربية والإسلامية متمسكة بحق الفلسطينيين التاريخي في أرضهم ووطنهم وترابهم. وإذا كنت صادقًا في دعوتك لإنقاذ أهل غزة ولا ترى سبيلًا لإعادة إعمارها إلا بتهجيرهم، فلماذا لا تقبلهم مهاجرين في الولايات المتحدة؟ عندها، سنفكر في دعمك وسنحاول إقناع أهل غزة بذلك. لكنني واثق أن الإجابة ستكون: "لن نغادر أرضنا مهما كان الثمن."
د / يوسف العميري