كشف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، عن كيفية التعامل مع الشائعات والتهم المفبركة بغرض تشويه السمعة، كما يحصل عادة عبر منصات التواصل الاجتماعي دون دليل أو بينة.
وحذر خالد في الحلقة السابعة عشر من برنامجه الرمضاني “نبي الإحسان”، من خطر الترويج للشائعات، بدون مصدر دقيق، “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا…”، مشددًا على أنه لا يجوز الحديث عن أحد إلا بدليل لا يحتمل التأويل، “وإذا بلغنا الدليل فالستر هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والعقاب من الحاكم وحده”.
وأبرز خالد الدروس والمعاني المستفادة من “حادثة الإفك” حين خاض المنافقون في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها بالباطل، أثناء عودتها مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، بعد أن تأخرت وتحرك الجيش دون أن ينتبهوا لعدم وجودها في الهودج المخصص لها، قبل أن ينتبه لأمرها صفوان بن المعطل السلمي الذي جعله رسول الله في مؤخرة الجيش.
تروي السيدة عائشة: “فوجدني وعرفني، استدار واسترجع وقال: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، حتى يوقظها، ثم أناخ الجمل، تقول: فركبت، فوالله ما تكلم معي كلمة “حتى أتينا الجيش فِي شدة الظهيرة فهلك من هلك، وتكلم في عرضي من تكلم وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين”.
وقال خالد إن هناك حكمًا من وراء حادثة الإفك “لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ”، وهي:
– الشائعات متمكنة من نفوس الناس؛ فنزعها يحتاج إلى حدث ضخم
– كان ثمن ما تعلمناه منها غاليًا، بسبب ما تركته الحادثة من ألم شديد في نفوس الصحابة وأمنا السيدة عائشة وأبي بكر
– من العيب أن نقابلهم ونحن ننشر شائعات.. ماذا سنقول لهم.. أي خجل يومها؟
ووصف خالد صفوان بن المعطل السلمي، الذي تناولته الألسنة بالباطل في “حادثة الإفك”، وكان ممن شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم الغزوات كلها (بدر وأحد والخندق) بـ”التقي الخفي الذي لم يكن يسمع عنه قبلها ولم يتكلم بعدها”.
وذكر أن السيدة عائشة كشفت للنبي صلى الله عليه وسلم سبب تأخرها، فصدّقها ولم يتسرب إليه الشك، لكن لما رآها عبد الله بن أبي بن سلول قادمة ومعها صفوان بن المعطل يقود الجمل، تظاهر أنه لا يعرفها، وسأل: من هذه.. فلانة؟ قالوا: لا.. هذه عائشة.. ومن هذا؟ إنه صفوان بن المعطل، فقال: “والله ما أظن إلا أن عائشة قضت ليلتها مع صفوان بن المعطل”.
وعلق خالد: لم ينطق بعدها، أطلق الشائعة، وترك المنافقين يغذونها، وأخذ بعض المسلمين البسطاء يرددونها فيما بينهم، حتى انتشرت في كل أرجاء المدينة وبات الناس يتحدثون عنها؛ فالعقول المريضة لا تفسر شهامة رجل مع امرأة في صحراء دون حدوث شيء أو وجود علاقة آثمة بينهما.
وفسر خالد سبب إقدام بن سلول، زعيم المنافقين، على ترويج هذه التهمة الباطلة بحق السيدة عائشة، بالعمل على تشويه سمعة النبي من خلال اتهام زوجته، وزعزعة ثقة المسلمين في النبي والسيدة عائشة، ولإماتة الثقة في رسول الله وأهله، وتشويه صورته أو اغتياله معنويًا.
وقال إن الشائعة يحملها الخبثاء، وينشرها الأغبياء، ويصدقها المغفلون البسطاء، ويرفضها المؤمن الحكيم صاحب الخلق الرفيع، لكنه نبه في المقابل إلى أن قريش وعلى الرغم كونها عدوة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنها لم تستخدم إعلامها لنقل الشائعة التي روج لها، لأنها ليس من طبعها الخسة في العداوة مثله، ولأن عائشة من قريش وأباها من قريش والنبي من قريش.
ووصف ما تعرض له النبي عليه الصلاة والسلام في “حادثة الإفك” بأنه امتحان رهيب، وواحد من أصعب الابتلاءات في حياته، خاصة وأن الوحي تأخر نزوله على النبي عليه الصلاة والسلام لمدة شهر كامل، وهو يعاني من وقع التهمة الباطلة في أحب امرأة إليه.
وفسر خالد عدم نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كان لإثبات نبوته، لأنه لو كان القرآن من عنده لكان قد برأ عائشة في أعقاب تداول الشائعة مباشرة، ولأن الله تعالى أراد بذلك أن يكشف عن معادن الناس.
في المقابل، قال إن الله سبحانه وتعالى أمرض السيدة عائشة لمدة شهر لم تسمع خلاله بما قيل عنها، رحمة بها، لأنها لو كانت علمت بالشائعة في بادئ الأمر لكانت قد ماتت كمدًا، ولأن من أسماء الله الحسنى الرحيم، ومن رحمته يهون المصائب الكبرى ويصغرها.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع عن إظهار اللطف والعطف والحب تجاه السيدة عائشة خلال تلك الفترة لكنه كان ينتظر وحي السماء، لأنه ليس زوجًا فقط، بل هو زوج ومشرِّع، يعلم الأزواج كيف يتعاملون بحكمة إذا تعرضوا لشائعة من هذا النوع: اصبر لا تتهمها.. انتظر الدليل.
وأوضح خالد، أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث إلى السيدة، قائلاً: “يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه”.
وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد الفاحشة وهو يطلب منها أن تتوب، لكن يقصد أنه لو كان هناك ذنب آخر فاستغفري، وكان يقول: لا أعلم عن عائشة إلا خيرًا، فبدأ يستشير من حوله، فدعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد – رضي الله عنهما – حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله.
قالت السيدة عائشة: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله، أهلك ولا نعلم إلا خيرًا.
أما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك.
قالت: فدعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بريرة (خادمتها)، فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله، فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو على المنبر: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله، ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.
فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
وقال خالد: على الرغم من أن السيدة زينب بنت جحش كانت أكثر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم منافسة للسيدة عائشة على حب النبي، إلا أنه حين سألها: يا زينب أسمعت ما يقول الناس؟، أجابت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عنها إلا خيرًا.
ماذا فعل النبي مع ابن سلول؟
قال خالد: لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم عليه حد القذف، ومات على فراشه، والنبي عليه الصلاة والسلام كفنه في قميصه، وابنه عبد الله كانت له قيمته العالية عند المسلمين، ولم يقرب منه أحد.
وذكر أن القرآن وحده هو الذي أظهر براءة السيدة عائشة، والمنافق هو الذي فضحه الله.
ورأى خالد أن ما حصل وإن كان ثقيلاً على نفس أي إنسان، إلا أنه أعطى السيدة عائشة نضجًا وخبرة كبيرة بالحياة وطبائع البشر، كما أنه من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الوحي تأخر شهرًا، ولو كان هو من يكتب القرآن لكان قد برأها من اليوم الأول.
التعامل مع الأزمات:
وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم تعامل في الأزمة بصبر مع الناس، لم ينقلب غاضبًا، ومن خاضوا في الشائعة، مثل حسان ومسطح، تابا، وصفح عنهما. أما صفوان، فهو فارس نبيل، ظل صامتًا، لم يصدر منه أي تصرف عنيف أو عصبي. بينما ظل سيدنا أبو بكر ينفق على مسطح على الرغم مما قاله بحق ابنته.
" frameborder="0">