لم يخذل الرئيس الأميركي دونالد ترمب ناخبيه الذين وعدهم بخفض أسعار الكهرباء والوقود عبر إطلاق العنان لموارد النفط والغاز الطبيعي، أو -على حدّ وصفه- "الذهب السائل تحت أقدامنا".
وأنهى الرئيس الجمهوري الحرب على مصادر الوقود الأحفوري التي أطلقتها الإدارة السابقة بقيادة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، ليتبنّى نهجًا طاقيًا مغايرًا تمامًا يسمح للمواطن بالاختيار بين السيارات الكهربائية أو العاملة بالبنزين، ولا يدعم قسرًا تقنيات الطاقة المتجددة بمليارات الدولارات سنويًا على حساب المستهلكين.
يثير ذلك التحول المفاجئ في سياسة الطاقة تساؤلات بشأن ما إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ستتخلى عن سياسة الحياد الكربوني المكلفة، خاصةً أن المكاسب التي تبشّر بها سياسة الطاقة الأميركية الجديدة قد تبذر بذور الشقاق المجتمعي بالقارة العجوز.
إذ يهدد الاستمرار على النهج الحالي بتباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي وارتفاع معدلات البطالة واتّساع الفارق بين المستويات المعيشية في أوروبا وأميركا، بحسب مقال طالعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
على الناحية الأخرى، فالمجال مفتوح أمام ترمب للهيمنة على أسواق الطاقة العالمية وخفض الأسعار بفضل 360 مليار برميل من احتياطيات النفط القابلة للاستخراج وقرابة 3 آلاف تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز الطبيعي القابلة للاستخراج، بما يكفي لتلبية الطلب المحلي والتصدير لأوروبا وآسيا.
سياسة دونالد ترمب
تفتتح عودة الرئيس دونالد ترمب للسلطة حقبة جديدة أمام إنتاج الطاقة، فقد "فك الأغلال أخيرًا"، على حدّ وصف الخبيرة الاقتصادية ومديرة مركز الطاقة والمناخ والبيئة التابعة لمؤسسة هيريتاج الفكرية ديانا فورشتغوت روث.
وفي مقال طالعته منصة الطاقة المتخصصة، قالت، إن ترمب أحدثَ تحولًا كاملًا في سياسة الطاقة الأميركية، وبمنتهى السهولة انقلب على خطى سابقيه على نحو أذهل أنصار الحزب الديمقراطي محليًا والمؤسسات البيئية العالمية.
إذ تخلّى ترمب عن تقديم حوافز حكومية لنشر تقنيات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحظر تراخيص إقامة مزارع الرياح البحرية بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الفيدرالية، وجمّد موافقات المشروعات والتراخيص والقروض ذات الصلة، وفاءً لوعده الانتخابي قبل دخول البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني (2025).
وفي ضربة لسياسات الحياد الكربوني بحلول 2050، انسحب قطب العقارات من اتفاقية باريس للمناخ للمرة الثانية والالتزامات المرتبطة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وعلى الناحية الأخرى، منح المواطنين حرية الاختيار بين سيارات البنزين أو الكهربائية، إذ أنهى تفويضات السيارات الكهربائية التي تفرض على المصنّعين زيادة الإنتاج ودفع غرامة عن كل زيادة عن الحدّ المقرر.
وقبل عودة ترمب الثانية، كان جو بايدن يدعم انتشار السيارات الكهربائية، حيث قدّم حوافز لتصنيع وشراء السيارات الكهربائية، ووضع هدف أن تكون كل السيارات الجديدة كهربائية أو هجينة بنسبة 70%، والشاحنات بنسبة 25%، بحلول عام 2032، من 8% حاليًا.
كما خصصت الإدارة الديمقراطية السابقة حوافز بمليارات الدولارات لتشجيع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتقطعة، وهو ما أدى إلى رفع فواتير الكهرباء.
وارتفعت أسعار الكهرباء في كاليفورنيا التي تشترط استعمال الطاقة المتجددة بـ3 أضعاف نظيرتها في ولاية يوتا التي لا تلتزم بتلك القيود.
الحياد الكربوني في أوروبا
تضع سياسات الطاقة في عهد ترمب الجديد سياسات الحياد الكربوني في أوروبا بمأزق؛ إذ تخلّى أكبر اقتصاد في العالم عن دعم المسيرة البيئية الرامية إلى مكافحة تغير المناخ الذي يراه ترمب خدعة صينية، ولذلك يؤكد بأنه لن يضيّع ثروات النفط والغاز من أجل أحلام وطواحين هواء
وعلى العكس من القارة العجوز، تقول الكاتبة ديانا فورشتغوت روث، إن الرئيس الجديد جعل من سياسة هيمنة الطاقة الأميركية مكونًا رئيسًا في سياسته الخارجية، مع ضمان اتّساق الأهداف المحلية والدولية.
ومن شأن ذلك أن يسمح للولايات المتحدة بتوفير موارد الطاقة بسعر ميسور التكلفة بالنسبة للمواطنين، كما يسوّق لصادرات الطاقة وييسّر الوصول إلى الثروات الطبيعية الجديدة.
وعالميًا، تتوقع الكاتبة أن تحذو بقية دول العالم حذو أميركا في سياستها الطاقية الجديدة.
واستشهدت بواقعة عندما خفض الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان أعلى معدل ضريبي على الأفراد من 50% إلى 28% بموجب قانون الإصلاح الضريبي في عام 1986.
أعقب ذلك انخفاض المعدل الضريبي في بريطانيا من 60% إلى 40%، وفي كندا من 34% إلى 29%، واليابان من 50% إلى 70%، ونيوزيلندا من 66% إلى 33%.
وبالمثل، يَعِد ترمب بخفض الضرائب لتكون دون مستوى عام 2024 المنصرم، لكن الأمر يتطلب تمرير قوانين ذات صلة بالكونغرس، وإذا نجح في ذلك ستكون الشركات الأوروبية في خطر بسبب انخفاض أسعار الطاقة والضرائب.
وبحسب الكاتبة، ربما تجعل سياسة هيمنة الطاقة العالم أجمع أكثر تنافسية، وقد تختار المصانع الأوروبية والأميركية التوسع داخل الولايات المتحدة، كما سيكون فكّ قيود الاعتماد على الصين أمرًا أكثر سهولة من ذي قبل.
لكن عواقب ثورة الطاقة التي أحدثها ترمب على الصعيد الدولي تتجاوز الهيمنة على أسواق التصدير وإعادة تشكيل ملامح السياسة الخارجية، وفق ما جاء في المقال المنشور بموقع صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية.
إذ إن تخلّي ترمب عن سياسة الحياد الكربوني التي حققت فشلًا ذريعًا وتمكنت من دول الغرب، سيدفع الدول الأخرى إلى الاحتذاء به وفعل المثل.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر: