الفرصة سانحة أمام العرب الآن لكي يتحدوا جميعًا للوقوف في وجه الغطرسة الأمريكية، لأن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق الهدف النهائي لها بإنشاء دولة (الكيان) الكبرى على حساب الأراضي العربية، حيث يعيش العرب كمواطنين من الدرجة الثانية ليس لهم قيمة في ظل نظام الفصل العنصري الصهيوني.
وبما ان الموضوع أصبح أكبر من مجرد تصريح يتداوله الرئيس الأمريكي «ترامب»، كلما وجد نفسه أمام الإعلام، وبما ان الفكرة التي يُروّج لها ساكن البيت الأبيض منذ دخوله مكتبه صارت توجهًا لإدارة بكاملها، لا رأيًا لشخص ولا تصريحًا لفرد، فالقضية تحتاج إلى أن تأخذ الحيز الواسع نفسه على مستوانا نحن العرب هنا.
المشكلة الكبرى أن ترامب يتكلم عن هذه المساحة العربية على الخريطة وكأنها خالية من أي بشر، أو كأن الذين يقيمون فيها بلا إرادة، أو كأن الأرض لا تخص هؤلاء الذين يقومون وينامون فوقها من العرب، أو كأن أهل المنطقة في عداد الموتى!.. ولأن هذا كله نوع من الوهم الذي يستبد به ويسيطر عليه، فأصحاب الأرض على امتداد المساحة العربية كلها مدعوون إلى أن يجعلوه يسمع صوتهم لعله يفيق مما يستولى عليه من أفكار منحرفة وفكر مريض.
مطلوب «لا» من 22 دولة عربية، مطلوب «لا» مزلزلة وليست عادية، مطلوب «لا» تكون هي اللسان الناطق لكل عربي، مطلوب «لا» تهز هذا الرجل في مكانه، هذه المرة يجب أن تكون «لا» من المحيط إلى الخليج بكل قوة، ووضوح، ولا لبث فيها، «لا» هذه المرة لاتقتصر على دولة بعينها، ولكنها لابد أن تصل إلى البيت الأبيض من كل الدول العربية بلا استثناء من المحيط إلى الخليج.
مصر كانت أول دولة تكتشف المخطط الإسرائيلي اللعين منذ بدء الحرب على غزة، ووقفت بوضوح ضد نقل الفلسطينيين من قطاع غزة، ودائمًا يحضرني موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعلنه يوم 10 أكتوبر 2023 أي بعد اندلاع الحرب على غزة بـ3 أيام فقط، وقتها أعلن في حفل تخريج دفعة جديدة من طلبة أكاديمية الشرطة رفضه هذا المخطط الشيطاني اللعين.
في هذا الوقت المبكر لم يكن الكثيرون يعلمون بما يدور خلف الكواليس، والمؤامرة الإسرائيلية الكبرى لتدمير غزة، وتهجير سكانها، تمهيدًا لاحتلالها بشكل دائم بعد ذلك، والآن لم تعد المؤامرة سرية، وإنما أصبحت علنية، بل وأمريكية ـ إسرائيلية ـ هذا هو الجديد ـ بعد أن دخل «ترامب» على الخط وأراد ضم غزة إلى أمريكا، وجعلها ولاية أمريكية بعد طرد سكانها وتهجيرهم إلى مصر والأردن ودول أخري.
مصر، والسعودية، والأردن، وفلسطين، رفضت تصريحات ترامب، وكذلك فعل الكثير من دول العالم، خاصة الدول الأوروبية، لكن تظل ردود الفعل العربية هي الأهم في هذا الإطار، لأن الوحدة العربية هي سلاح ردع قوي له تأثيره على العالم بأسره، وليست أمريكا وحدها.
فكرة التهجير المزعومة خرجت من نطاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورأينا ستيف ويتكوف، مستشاره إلى الشرق الأوسط، يخرج علينا ويقول إن بلاده تريد من الدول العربية أن تستقبل الفلسطينيين من غزة.. وهكذا، فإنه يوسع مجال الاستقبال وينقله إلى الدول العربية في العموم، وبغير تحديد، بعد أن كان الكلام في البداية عن مصر والأردن وحدهما.. ولذلك، فإن الدول العربية جميعًا صارت معنية بالمسألة، ولم تعد هناك عاصمة عربية مُستثناة مما يردده الرئيس الأمريكي ويُروّجه هو وأعضاء إدارته.
أما مايكل والتز، مستشار الأمن القومي الأمريكي، فلقد راح بدوره ينضم إلى الجوقة التي تردد كلام الرئيس، وسمعناه هو الآخر يقول من بعد المستشار ويتكوف، إن الولايات المتحدة تتطلع إلى الحلفاء والشركاء ليحددوا الأماكن التي يمكن أن يتوجه إليها النازحون من قطاع غزة.
وكما ترى، فمستشار الأمن القومي يعمم في كلامه، ويتحدث عن الجميع في المنطقة، ولا يتوقف عند دولة أو دولتين كما كان ترامب يفعل في بدايات طرح الفكرة البائسة.. ولأن الأمر صار في العموم لا على وجه الخصوص، فليست هناك عاصمة عربية إلا وهي مدعوة إلى أن ترد على هذه الأفكار التعيسة التي لا تتوقف الإدارة الأمريكية عن الترويج لها.
صرنا أمام عزف جماعي، ورغم أنه كذلك، إلا أن أعضاء الفرقة يعزفون كلهم لحنًا واحدًا.. صحيح أنه لحن رديء، وصحيح أنه بالغ الرداءة.. ولكنه لحن، بل ولحن جماعي أيضًا! والسؤال الآن: ألم يئن للعرب أن يتحدوا؟! ولماذا لا تستغل الأمة العربية هذه المحنة في تحقيق حلم القومية العربية وتفعيل الجيش العربي الموحد؟!.
أتمنى عقد قمة عربية عاجلة على مستوى رؤساء الدول، وبحضور كل الرؤساء العرب بلا استثناء للخروج بموقف عربي موحد، وقوي، وواضح ضد دعوة ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة، ومشروعه الاستعماري فيها، لابد أن تقوم كل دولة عربية بمسئولياتها، وكل رئيس عربي بواجبه، في الدفاع عن الأمن القومي العربي، فالعرب لديهم من أوراق الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل وأعوانهما الكثير، لكن ينقصهم الترابط والتلاحم والوحدة.
العرب أمة لا يستهان بها إذا إتحدوا! ولهم تاريخ ناصع في البسالة والتضحية والشجاعة والحكمة والإقدام، أي نعم تعرضت الأمة العربية للضرب بسلاح الديموقراطية والحريات والتمويل الأجنبي والتشجيع على الخلاف والاختلاف والتنازع، لكن تربطهم العروبة والقومية والأخوة والنسب وفوقهم الدين، ويمكن أن يمارسوا الضغط على الغرب من خلال وحدتهم وترابطهم، فهل يتعلموا الدرس ويتحدوا؟!.